قراءة في كتاب:أمير المؤمنين.. الملكية والنخبة السياسية المغربية بقلم الأستاذ محمد العيادي
كان كتاب "أمير المؤمنين.. الملكية والنخبة السياسية المغربية" في الأصل أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية أنجزها الطالب الأميركي جون واتربوري وأقام من أجلها في المغرب بين سنة 1965 و1967، لكنه صار بعد ذلك مرجعا مهما لفهم تاريخ الحياة السياسية المغربية وآليات تحركها وطبيعة الفاعلين فيها.
صاحب الكتاب الذي يشغل حاليا مدير الجامعة الأميركية ببيروت اضطر بمناسبة ترجمته للغة الفرنسية لتنقيحه وتعديله باختصار بعض الفقرات وحذف أخرى وإضافة معطيات جديدة تتعلق أساسا بالوضعية التي نتجت عن المحاولتين الانقلابيتين لسنتي 1971 و1972، معترفا في الوقت نفسه بأنه قدم العديد من آرائه الخاصة والاجتهادات التي قد تكون مجانبة للصواب ومغرقة في الذاتية، خاصة أنه يعتبر أن الموضوعية في العلوم الاجتماعية صعبة المنال.
-العنوان: أمير المؤمنين.. الملكية والنخبة السياسية المغربية
-المؤلف: جون واتربوري
-المترجمون: عبد الغني أبو العزم، عبد الأحد السبتي، عبد اللطيف الفلق
-عدد الصفحات: 474
-الناشر: مؤسسة الغني للنشر، الرباط
-الطبعة: الأولى 2004
وقد صدر الكتاب أول مرة باللغة العربية سنة 1982 عن دار الوحدة ببيروت لكن طبعتها لم تر النور بالمغرب ولم يسمح لها بالتداول في السوق كما لم يسمح بطبع هذا الكتاب في نسخة مزيدة ومصححة ومنقحة إلا في شهر مايو من السنة الجارية.
معطيات تاريخية
رصد واتربوري في الفصل الأول البنيات التقليدية للمجتمع المغربي في فترة الستينيات وتأثيرها في طبيعة السلوك السياسي للنخبة يومها من حيث عدم القدرة على حسم التحالفات مع جهة واحدة واستمرار عقلية القبيلة لدى كثير من الفئات.
وسجل أن المغرب عرف بين سنة 1912 وهو تاريخ فرض نظام الحماية وسنة 1955 قبيل الاستقلال بسنة تغيرا كبيرا في الإطار السياسي، حيث تقوت وتوسعت بنيته الإدارية العصرية على حساب الزوايا والقبائل، وكذا في طبيعة اقتصاده بنشوء طبقة عاملة وتراجع الطبقة التجارية بمفهومها التقليدي.
وخلص واتربوري إلى أن تلك التغييرات تشكل أبرز آثار ما سماه الإرث الفرنسي، وقرر في الفصل الثاني أن المغرب لم يعرف قبل سنة 1912 تغييرا يذكر على مستوى التنظيم السياسي والاجتماعي بخلاف بعض أقطار شمالي إفريقيا التي شهدت بعض عناصر التحديث على يد الإدارة العثمانية أو على يد الاحتلال الفرنسي والتغلل الاقتصادي الأوروبي فيها.
واعتبر واتربوري في كتابه أن فرنسا اقتحمت عالم السلطنة المغربي المغلق وأحدثت تحويلا في الأساليب الحكومية التقليدية، بحيث ثبتت خلال استعمارها للمغرب جهازا إداريا مركزيا، وطورت قطاعات مثل الفلاحة والصناعة والمعادن والتجارة.
وقامت بالمقابل بتقليص مفعول العناصر الأساسية التي كان يقوم عليها النظام التقليدي -القبائل والمخزن ورجال الزوايا والطرق- بحيث لم تعد تلعب إلا دورا ثانويا بعد توحيد وإخضاع الكل للمركز.
وتطرق خلال ذلك للحركة الوطنية وأصولها باعتبارها قوة جديدة أتعبت سلطات الحماية بانخراطها في النضال السياسي المنظم ابتدءا من سنة 1945، واصفا إياها بكونها قيادة برجوازية متنورة ومثقفة بأرضية سلفية دينية.
غيرأن الحركة التي صعب على الاستعمار الفرنسي احتواؤها، فشلت في تكوين نخبة سياسية متماسكة قادرة على ممارسة السلطة والمساهمة فيها بعد الاستقلال بحيث تميزت نقاشاتها حسب واتربوري بالبيزنطية، ليجد المغرب نفسه بين إرثين إرث العادات والتقاليد في علاقتها بالسلطة وطرق تدبيرها، وإرث الاستعمار في شكل بنيات تحتية وآليات معقدة غير ملائمة في الغالب لواقع البلاد وحاجياتها.
وضعية ربطت الحياة السياسية المغربية وتاريخها بعد الاستقلال بمدى القدرة على التوفيق بين الإرثين أي بمدى القدرة على التزام الشخصية المغربية بمقاييس وقواعد المؤسسات العصرية والسوق الاقتصادية والآليات الجديدة في التنظيم من قبيل الأحزاب السياسية والنقابات وغيرها، دون المس بخصوصيات ما سماه واتربوري الشخصية المغربية.
محاولة في التأويل.. النظرية الانقسامية
تبنى جون واتربوري في تحليله للنخبة والحياة السياسية المغربية وفي رصد سيرورتها "النظرية الانقسامية" التي تستعمل أساسا في الحقل الأنثروبولوجي (علم الإنسان)، وذلك للوصول إلى نتائج مسبقة اعترى الكثير منها الخطأ وعدم الحياد.
فقد انطلق في الفصل الثالث من كون التوتر الدائم في مستويات مختلفة يعد من خصائص المجتمع المغربي منذ قرون بحيث يبدو وكأنه موشك على الانفجار لكن طبيعته الأساسية هي الجمود.
ولكي تسعفه النظرية المذكورة اعتبر أن المغرب ومجتمعه في العموم منحدر من القبيلة وأن قيم وأنماط السلوك السياسي السائدة فيه ذات طابع قبلي شبيه بدول الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي وظف فيها الباحثون الغربيون الذين استند إليهم واتربوري لدراسة وإعمال النظرية الانقسامية التي وضع دوركهايم أسسها في بداية القرن في شكلها العام في كتابه "تقسيم العمل الاجتماعي" بغية البحث عن مفاتيح جديدة في البحث العلمي ورصد أنماط الحياة في المجتمع القبلي ومعرفة نوعية العلاقات السائدة بين أفراده ماذا يوحدهم وماذا يفرقهم؟
ويوضح دوركهايم الشروط الانقسامية التي ترتكز على التشابه بقوله "لكي يكون التنظيم الانقسامي ممكنا لابد من أن تتشابه الأقسام ودون هذا التشابه لا يمكن أن تتحدد وأن تتباين، ودون هذا التباين والخلاف سيضيع بعضها في بعض وتنتهي للتلاشي".
فاعتمادا على المنهج الانقسامي حاول واتربوري انطلاقا من الفصل الثالث من الكتاب دراسة وتحليل سلوك النخبة السياسية المغربية في مرحلة الستينيات بالأساس، دراسة اعتمدت على تركيب نظري ضخم لسيرورة التحولات والوقائع الاجتماعية منذ استقلال المغرب إلى غاية منتصف الستينيات.
وقد ذكر الفئات الأساسية المشكلة للمجتمع المغربي يومئذ والتي تكمن في مشاعر الانتماء للدين والزوايا والقبيلة والأسرة والحي من قبيل عائلتي الفاسي والوزاني ببنية مدينية واحدة، والانقسام تبعا لأهداف مادية عقلانية بين تجار سوس وتجار فاس كنموذج, والانقسام تبعا للبنيات التنظيمية الحديثة من قبيل الأحزاب والنقابات والجماعات الاقتصادية وغيرها.
وهي الفئات التي سماها بالفصائل الانقسامية التي تحدد الصراعات داخل المجتمع المغربي.
والفصول المتبقية من كتاب "أمير المؤمنين الملكية النخبة السياسية المغربية" ركز فيها على جدلية التوتر والجمود باعتبارهما طرفي نقيض تعايشا في فترة ما بين سنة 1956 و 1965 التي اشتغل عليها المؤلف ونعتها بعض الباحثين بـ"فترة خميرة المغرب الحديث" لكونها كانت حاسمة ومجالا لكل الرهانات والصراعات بين الفاعلين السياسيين.
وتجلى التوتر في الدعوات المتتالية للإصلاح وانتظار المواطنين ومختلف الفئات التي نعتناها سلفا بالحديثة لمواجهة الجمود السياسي لكنه توتر لا ينتج تحولات سياسية.
كان كتاب "أمير المؤمنين.. الملكية والنخبة السياسية المغربية" في الأصل أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية أنجزها الطالب الأميركي جون واتربوري وأقام من أجلها في المغرب بين سنة 1965 و1967، لكنه صار بعد ذلك مرجعا مهما لفهم تاريخ الحياة السياسية المغربية وآليات تحركها وطبيعة الفاعلين فيها.
صاحب الكتاب الذي يشغل حاليا مدير الجامعة الأميركية ببيروت اضطر بمناسبة ترجمته للغة الفرنسية لتنقيحه وتعديله باختصار بعض الفقرات وحذف أخرى وإضافة معطيات جديدة تتعلق أساسا بالوضعية التي نتجت عن المحاولتين الانقلابيتين لسنتي 1971 و1972، معترفا في الوقت نفسه بأنه قدم العديد من آرائه الخاصة والاجتهادات التي قد تكون مجانبة للصواب ومغرقة في الذاتية، خاصة أنه يعتبر أن الموضوعية في العلوم الاجتماعية صعبة المنال.
-العنوان: أمير المؤمنين.. الملكية والنخبة السياسية المغربية
-المؤلف: جون واتربوري
-المترجمون: عبد الغني أبو العزم، عبد الأحد السبتي، عبد اللطيف الفلق
-عدد الصفحات: 474
-الناشر: مؤسسة الغني للنشر، الرباط
-الطبعة: الأولى 2004
وقد صدر الكتاب أول مرة باللغة العربية سنة 1982 عن دار الوحدة ببيروت لكن طبعتها لم تر النور بالمغرب ولم يسمح لها بالتداول في السوق كما لم يسمح بطبع هذا الكتاب في نسخة مزيدة ومصححة ومنقحة إلا في شهر مايو من السنة الجارية.
معطيات تاريخية
رصد واتربوري في الفصل الأول البنيات التقليدية للمجتمع المغربي في فترة الستينيات وتأثيرها في طبيعة السلوك السياسي للنخبة يومها من حيث عدم القدرة على حسم التحالفات مع جهة واحدة واستمرار عقلية القبيلة لدى كثير من الفئات.
وسجل أن المغرب عرف بين سنة 1912 وهو تاريخ فرض نظام الحماية وسنة 1955 قبيل الاستقلال بسنة تغيرا كبيرا في الإطار السياسي، حيث تقوت وتوسعت بنيته الإدارية العصرية على حساب الزوايا والقبائل، وكذا في طبيعة اقتصاده بنشوء طبقة عاملة وتراجع الطبقة التجارية بمفهومها التقليدي.
وخلص واتربوري إلى أن تلك التغييرات تشكل أبرز آثار ما سماه الإرث الفرنسي، وقرر في الفصل الثاني أن المغرب لم يعرف قبل سنة 1912 تغييرا يذكر على مستوى التنظيم السياسي والاجتماعي بخلاف بعض أقطار شمالي إفريقيا التي شهدت بعض عناصر التحديث على يد الإدارة العثمانية أو على يد الاحتلال الفرنسي والتغلل الاقتصادي الأوروبي فيها.
واعتبر واتربوري في كتابه أن فرنسا اقتحمت عالم السلطنة المغربي المغلق وأحدثت تحويلا في الأساليب الحكومية التقليدية، بحيث ثبتت خلال استعمارها للمغرب جهازا إداريا مركزيا، وطورت قطاعات مثل الفلاحة والصناعة والمعادن والتجارة.
وقامت بالمقابل بتقليص مفعول العناصر الأساسية التي كان يقوم عليها النظام التقليدي -القبائل والمخزن ورجال الزوايا والطرق- بحيث لم تعد تلعب إلا دورا ثانويا بعد توحيد وإخضاع الكل للمركز.
وتطرق خلال ذلك للحركة الوطنية وأصولها باعتبارها قوة جديدة أتعبت سلطات الحماية بانخراطها في النضال السياسي المنظم ابتدءا من سنة 1945، واصفا إياها بكونها قيادة برجوازية متنورة ومثقفة بأرضية سلفية دينية.
غيرأن الحركة التي صعب على الاستعمار الفرنسي احتواؤها، فشلت في تكوين نخبة سياسية متماسكة قادرة على ممارسة السلطة والمساهمة فيها بعد الاستقلال بحيث تميزت نقاشاتها حسب واتربوري بالبيزنطية، ليجد المغرب نفسه بين إرثين إرث العادات والتقاليد في علاقتها بالسلطة وطرق تدبيرها، وإرث الاستعمار في شكل بنيات تحتية وآليات معقدة غير ملائمة في الغالب لواقع البلاد وحاجياتها.
وضعية ربطت الحياة السياسية المغربية وتاريخها بعد الاستقلال بمدى القدرة على التوفيق بين الإرثين أي بمدى القدرة على التزام الشخصية المغربية بمقاييس وقواعد المؤسسات العصرية والسوق الاقتصادية والآليات الجديدة في التنظيم من قبيل الأحزاب السياسية والنقابات وغيرها، دون المس بخصوصيات ما سماه واتربوري الشخصية المغربية.
محاولة في التأويل.. النظرية الانقسامية
تبنى جون واتربوري في تحليله للنخبة والحياة السياسية المغربية وفي رصد سيرورتها "النظرية الانقسامية" التي تستعمل أساسا في الحقل الأنثروبولوجي (علم الإنسان)، وذلك للوصول إلى نتائج مسبقة اعترى الكثير منها الخطأ وعدم الحياد.
فقد انطلق في الفصل الثالث من كون التوتر الدائم في مستويات مختلفة يعد من خصائص المجتمع المغربي منذ قرون بحيث يبدو وكأنه موشك على الانفجار لكن طبيعته الأساسية هي الجمود.
ولكي تسعفه النظرية المذكورة اعتبر أن المغرب ومجتمعه في العموم منحدر من القبيلة وأن قيم وأنماط السلوك السياسي السائدة فيه ذات طابع قبلي شبيه بدول الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي وظف فيها الباحثون الغربيون الذين استند إليهم واتربوري لدراسة وإعمال النظرية الانقسامية التي وضع دوركهايم أسسها في بداية القرن في شكلها العام في كتابه "تقسيم العمل الاجتماعي" بغية البحث عن مفاتيح جديدة في البحث العلمي ورصد أنماط الحياة في المجتمع القبلي ومعرفة نوعية العلاقات السائدة بين أفراده ماذا يوحدهم وماذا يفرقهم؟
ويوضح دوركهايم الشروط الانقسامية التي ترتكز على التشابه بقوله "لكي يكون التنظيم الانقسامي ممكنا لابد من أن تتشابه الأقسام ودون هذا التشابه لا يمكن أن تتحدد وأن تتباين، ودون هذا التباين والخلاف سيضيع بعضها في بعض وتنتهي للتلاشي".
فاعتمادا على المنهج الانقسامي حاول واتربوري انطلاقا من الفصل الثالث من الكتاب دراسة وتحليل سلوك النخبة السياسية المغربية في مرحلة الستينيات بالأساس، دراسة اعتمدت على تركيب نظري ضخم لسيرورة التحولات والوقائع الاجتماعية منذ استقلال المغرب إلى غاية منتصف الستينيات.
وقد ذكر الفئات الأساسية المشكلة للمجتمع المغربي يومئذ والتي تكمن في مشاعر الانتماء للدين والزوايا والقبيلة والأسرة والحي من قبيل عائلتي الفاسي والوزاني ببنية مدينية واحدة، والانقسام تبعا لأهداف مادية عقلانية بين تجار سوس وتجار فاس كنموذج, والانقسام تبعا للبنيات التنظيمية الحديثة من قبيل الأحزاب والنقابات والجماعات الاقتصادية وغيرها.
وهي الفئات التي سماها بالفصائل الانقسامية التي تحدد الصراعات داخل المجتمع المغربي.
والفصول المتبقية من كتاب "أمير المؤمنين الملكية النخبة السياسية المغربية" ركز فيها على جدلية التوتر والجمود باعتبارهما طرفي نقيض تعايشا في فترة ما بين سنة 1956 و 1965 التي اشتغل عليها المؤلف ونعتها بعض الباحثين بـ"فترة خميرة المغرب الحديث" لكونها كانت حاسمة ومجالا لكل الرهانات والصراعات بين الفاعلين السياسيين.
وتجلى التوتر في الدعوات المتتالية للإصلاح وانتظار المواطنين ومختلف الفئات التي نعتناها سلفا بالحديثة لمواجهة الجمود السياسي لكنه توتر لا ينتج تحولات سياسية.
عدل سابقا من قبل Admin في السبت 23 مايو - 1:01 عدل 1 مرات